
رأت مجلة "لوبوان" الفرنسية، اليوم الأحد، أن تحويل متشددي جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" المتطرفة، الوقود إلى سلاح حرب، يخفي وراءه معارك غير متكافئة وهجينة تُهدد منطقة غرب أفريقيا بأكملها.
واستشهدت المجلة، في تقرير لها، بتحذير أطلقته فرنسا بشأن الوضع الأمني المتدهور حتى في باماكو، حيث أصبحت الطرق السريعة الوطنية الآن هدفًا لهجمات الجماعات المتشددة، في وقت لا تزال الرحلات الجوية التجارية هي طريق الخروج الوحيد الذي لا يزال يُعتبر آمنًا.
وجدّد باسكال كونفافرو متحدث الخارجية الفرنسية، الإعراب عن "قلق فرنسا العميق" إزاء الوضع، مؤكدًا أن سلامة المواطنين الفرنسيين البالغ عددهم 4300 والمسجلين لدى القنصلية تظل "أولوية قصوى".
ووفق التقرير الفرنسي، لم تتمكن شاحنات الصهاريج، لمدة شهرين، من عبور الطرق السريعة الرئيسية في جنوب هذا البلد الشاسع غير الساحلي، الذي تعتمد تجارته بنسبة 90% على موانئ دول الجوار.
وفرضت جماعة "نصرة الإسلام" فرع تنظيم "القاعدة" في منطقة الساحل، حصارًا على شحنات الوقود إلى العاصمة، إذ تتعرض القوافل القادمة من أبيدجان وداكار وكوناكري للهجوم، وتُحرق المستودعات. والنتيجة في النهاية محطات وقود جافة، ومستشفيات بلا كهرباء، ومدارس مغلقة، واقتصاد على وشك الانهيار.
ويرى التقرير أن هذه الرغبة في خنق باماكو ليست مصادفة، ففي أوائل سبتمبر/ أيلول 2025، أعلنت الجماعة عبر متحدثها الرسمي في جنوب وغرب البلاد، حظرًا على الوقود المتجه إلى العاصمة.
وكان هذا القرار، بحسب الصحيفة الفرنسية، جزءًا من استراتيجية انتقامية ضد الحكومة المالية: حظر بيع البنزين في صفائح، بهدف حرمان الجماعات المتشددة من طرق إمدادها.
وقال خبير قانوني وأمني مقيم في باماكو، إن "هذا الحظر كان السبب في إشعال فتيل الأزمة، وبمحاولتها قطع إمدادات الوقود عن الإرهابيين، استفزت الحكومة ردهم بحصار شل البلاد".
وأضاف: "أدركت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين أن البنزين هو مفتاح كل شيء، فبدونه لا يصمد الاقتصاد ولا الحرب، وبقطع الطرق وناقلات الوقود، يضرب المتشددون قلب النظام".
وعلى عكس السيناريوهات المثيرة للقلق التي تُنذر بسقوط العاصمة الوشيك، "لا يملك الإرهابيون الوسائل ولا الاستراتيجية اللازمة للاستيلاء على باماكو، المدينة الكبرى التي يبلغ عدد سكانها 3.5 مليون نسمة، والتي أصبحت الآن مدججة بالسلاح، هدفهم ليس الحكم، بل شل الحركة"، كما يُحذّر العديد من المراقبين.
وتعمل جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" في مناطق محددة، عبر سلسلة من الحواجز المؤقتة، تقطع الطرق، وتضايق القوافل، وتفرض شروطها على القرى المعزولة، ثم تنسحب.
وأوضح الخبير أنه "يكفي بضع عشرات من المقاتلين لحصار منطقة بأكملها، وهي استراتيجية استنزاف تتجنب المواجهة المباشرة مع القوات المالية، لكنها تهدف إلى استنزاف الدولة، وتقويض معنويات النظام، وزعزعة ثقة السكان".
والقوات المسلحة المالية، التي أضعفتها الحرب على مدى أكثر من عقد، تكافح جاهدةً لتأمين منطقة تبلغ مساحتها ثلاثة أضعاف مساحة فرنسا.
لكن استراتيجية المتشددين أتت بنتائج عكسية جزئيًّا. فبدلًا من إثارة انتفاضة ضد المجلس العسكري، وحَّد الحصار السكان.
وتابع الخبير: "الماليون يتمتعون بقدرة استثنائية على الصمود رغم الندرة والخوف والتعب، تستمر الحياة. يساعد السكان بعضهم بعضًا، ويتشاركون الوقود المحدود المتوفر، وينظمون تضامنًا بين الأحياء".
واعتبر أن "هذه المقاومة السلمية غير المتوقعة عززت التماسك الوطني بدلًا من تقويضه. وقد كان المتشددون يعوّلون على الاختناق الاجتماعي، أما الآن فهم يحصدون شكلًا من أشكال المقاومة المدنية".
وتُشكّل مالي والنيجر وبوركينا فاسو الآن مختبرًا مفتوحًا للحرب الهجينة في القرن الحادي والعشرين، حسب تعبير المجلة، معتبرة أن ما يحدث هناك يتجاوز منطقة الساحل: فالطرق التي تُسيطر عليها هذه الجماعات تؤدي بالفعل إلى دول ساحلية، "العَدوى في طريقها إلى الانتشار"، على حد توقع التقرير.
ويحذر محلل أفريقي، قائلًا إنه في حال انهيار المنطقة، سيصبح قطاع الساحل والصحراء بأكمله - من المغرب العربي إلى غرب أفريقيا - أرضًا لا يمكن السيطرة عليها".
أما إذا استمر الحصار، فستتأثر منطقة الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا بأكملها: البنوك، وشركات النقل، وعقود الاستيراد والتصدير. علما أن الدول الساحلية تعتمد اقتصاديًّا على باماكو، سواء عبر ميناء أبيدجان أو كوناكري. وترك مالي تواجه هذا الاختناق بمفردها يُنذر بانتشار العدوى الأمنية.
وينطبق التحذير أيضًا على المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، التي يعتبرها مراقبون مذنبة بـ"تقديم السياسة على التضامن، بدلًا من معالجة الأسباب الهيكلية للأزمة، ركزت على شرعية الأنظمة العسكرية".