
عتبر قرار المجلس الدستوري: 003/2025، بتاريخ: 11 أغشت 2025، أن الفقرات المتعلقة ب:
-توقيع عقوبة الطرد المؤقت خلال جلسة لإحدى اللجان، بحق نائب على توجيه الشتم أو التهديد ... أو الوزير الأول أو رئيس الجمعية الوطنية أو أعضاء الحكومة أو الهيئات المنصوص عليها في الدستور (المادة 45 من مشروع النظام الداخلي)، غير دستورية.
- توقيع عقوبة المصادرة مع الطرد المؤقت على كل نائب وجه خلال جلسة عامة: شتما أو تهديدا ... أو الوزير الأول أو أعضاء الحكومة أو الهيئات المنصوص عليها في الدستور أو ازدرى الجمعية الوطنية أو رئيسها. (المادة 80 من مشروع النظام الداخلي) غير دستورية هي الأخرى.
وقدر المجلس:" أن هذه الفقرات تضيق على صلاحيات النائب في أداء مهمته والرقابة على أداء الحكومة"! !
تلك هي حقيقة ما قدم أنه انتصار من المجلس للحريات البرلمانية! ولا شيء غير ذلك، إلا ما وقع فيه القرار من مآخذ؛ نورد بعضها دون تعمق لضرورة الاستعجال بغية وضع الأمور في نصابها.
العبارات التي وجه المجلس لحذفها وردت بنصها أو معناها أو هما معا في مواد ضمن نفس النص، دون أن توصم بعدم الدستورية.
بعض العبارات المطلوب حذفها يفترض أن دستوريتها قد حسمت في استعراضات سابقة للنظام الداخلي للجمعية الوطنية من المجلس وفى أكثر من مرة:
عددت (المادة 60/ ن.د) ضمن ما ليس للنائب المتدخل:" أن...
-يستخدم لغة قاسية أو جارحة أو مشينة ضد أي كان.
-يستخدم لغة فاحشة أو غير محترمة في حق الجمعية الوطنية.
-يوجه تهديدا لنائب آخر.."
كذلك يعد من ما ليس للنائب المتدخل:" تناول الكلام دون إذ أو الاسترسال في مداخلته بعد أن طلب منه إيجازها ". وتتحدث نفس المادة عن إمكانية تطبيق العقوبات التأديبية الواردة في الفصل الرابع عليه في الحالة الأخيرة، فكيف بالحالات المتقدمة التي تحمل خطورة أكبر من مجرد التحدث المواجه جزاء بالمنع من الظهور في المحضر.
التفسير الوحيد لكون المجلس الذي اعتبر هذه المادة التي عرضت عليه فى: 2019 و2022، 2025 مطابقة للدستور، ومع ذلك وجه لإلغاء عبارات: أو الوزير الأول، أو رئيس الجمعية الوطنية، أو أعضاء الحكومة، أو الهيئات المنصوص عليها في الدستور، من الفقرة الأولى من (المادة 80)؛ هو أن يكون قد قدر:
-أن السب لا يدخل في دائرة اللغة القاسية، الجارحة أو المشينة؛
-أن الوزير الأول وأعضاء الحكومة لا تنطبق عليهم عبارة "أي كان". ومعهم رئيس الجمعية الوطنية الذي بحسب السياق دونا عن سائر النواب، للنائب المتدخل تهديده واستخدام لغة قاسية أو جارحة أو مشينة ضده!
-أن رئيس الجمعية الوطنية ليس (زميلا) للنواب حتى يستفيد من عدم اعتبار المجلس في قراره 03/ 2025 أن عبارة:"...أو وجه شتائم لأحد زملائه " الواردة في السطر الأخير من السبب الثالث لتوقيع عقوبة المصادرة مع الطرد في (المادة 80) نفسها، غير دستورية.
-أن تصريحه في قراره: 013-2019، بتاريخ:9 يوليو 2019، بدستورية (المادة 80) من النظام الداخلي (المنشور بعدد الجريدة الرسمية رقم:1462، بتاريخ :30 مايو 2020، ص 260) التي تعرض للمصادرة مع الطرد كل نائب:" سب الدين أو وجه شتائم لرئيس الجمهورية أو لرئيس الجمعية الوطنية" إنما كان بمناسبة اعتداد البرلمان بمركزه كممثل للشعب وعطف رئيسه على رئيس الجمهورية، أما وأن النظام الداخلي قد قدم، هذه المرة، الوزير الأول عليه، فتصبح معاقبة توجيه الشتائم له غير دستورية.
تنص (المادة 2) من النظام الداخلي للجمعية الوطنية على أن الجمعية الوطنية:" تنظم وتسير وفق الدستور والقوانين النظامية ونظامها الداخلي وقرارات مكتبها " فكيف يعد المجلس الدستوري من بين تأسيسات قراره بشأن إلغاء عبارات وردت في الفقرة 6 من (المادة 45)، وأخرى وردت في الفقرة الأولى من (المادة 80) على مخالفة الفقرات المذكورة في المادتين إضافة ل:
-نص المواد 2 ،10 ،42 ،43 ،50 من الدستور لما يترتب على ذلك من حد لحرية التعبير، مع أن لا مجال للحديث عن حرية التعبير بالنسبة للبرلمانيين؛ حيث يتعلق الأمر بالتعبير الحر المكفول لهم على سبيل الخصوص من خلال الحماية الدستورية المسطرة لهم بمنع مساءلتهم في ما يدلون به من رأي (المادة 50/جديد)، و بطلان كل انتداب إلزامي (المادة 51/جديدة).
-وللقانون رقم 021/2021، الصادر بتاريخ 02/2/2021، المتعلق بحماية الرموز الوطنية وتجريم المساس بهيبة الدولة وشرف المواطن: المجلس بهذا التأسيس يراقب ليس دستورية النظام الداخلي للجمعية الوطنية، بل انسجامه مع مقتضيات قانون عادي، لم يعتبره النظام الداخلي نفسه في مادته الثانية جزء من الأساس القانوني لعملها ولم يجد المجلس في ذلك ما يخالف الدستور.
-في نفس السياق، يمعن المجلس في تأكيد اتجاهه لرقابة "قانونية" النظام الداخلي، حين يعول في إسناد ذلك على الاتكاء على قراره رقم :08/2024، بشأن قانون الرموز، محولا له إلى قانون معياري يجب أن يتسق معه النظام الداخلي.
- اعتداد المجلس الدستوري بقراره المتعلق بقانون لا علاقة للنظام الداخلي به، وعدم استحضاره لقراراته بمناسبة مراجعة أو تعديل النظام الداخلي نفسه في: 2019 و2022، وهي المراجعات التي تضمنت إقراره بدستورية مقتضيات عاد في القرار:003/2025 ليقول بعدم دستوريتها.
- حديث القرار عن وجوب توافق "...التعليمات مع الدستور " دال هو الآخر بخصوص توجه المجلس للاعتناء برقابة لم يكلف بها على حساب اختصاصه الحصري.
قرارات المجلس الدستوري:" ملزمة للسلطات العمومية وجميع السلطات الإدارية والقضائية" (المادة 87/جديدة)، لجميع السلطات بما فيها المجلس الدستوري نفسه؛ لذلك يطرح عدم تقيد المجلس بقراراته وتضارب بعضها مع الآخر، بل ووقوع ذلك التضارب داخل نفس القرار (القرار 003/2025 نموذجا) حالة تمس البناء القانوني للجمهورية وتعرض الأمن القانوني لاعتلال حقيقي لن يكون التسور بحيازة سلطة الشيء المقضي به كافيا لجبر تداعياته.
في سجل المجلس الدستوري قرارات من قبيل: قرار الشغور، وقرارات تعهد فيها بموجب إحالة إلزامية لم يقل بها الدستور، وانتهى الأمر بشأنها إلى وجود قوانين نظامية على أساس الخطأ، لتقصيره في القيام بمسئولياته على الوجه المطلوب.
القرار :003/ 2025 هو رقم بين تلك القرارات التى يتعين عمليا التفكير في وجود صيغة تمكن من نسيانها وحذفها من سجل المجلس، فمكانة وقيمة قرارات المجلس ودوره في ضمان سمو القواعد الدستورية لا يقبل أن يؤتى الدستور من قبله.