
ما زالت قضية تبعات وتطورات تدفق المهاجرين الأفارقة المتواصل نحو الأراضي الموريتانية تحتل واجهة الأحداث في موريتانيا، حيث تواصل السلطات إجراءات ترحيل المهاجرين غير النظاميين نحو المنافذ التي قدموا منها، إلى جانب الدفاع عن قانية وإنسانية هذه الإجراءات، بينما طالبت أوساط المعارضة الحكومة بالانسحاب من الاتفاق الموقع في آذار/مارس 2024 مع الاتحاد الأوروبي لكونه السبب في الأوضاع المعقدة التي تواجهها موريتانيا اليوم.
وأكد البرلماني المعارض يحي ولد اللود، النائب عن دائرة أمريكا «أن الآثار الكارثية للاتفاق الذي وقعته الحكومة الموريتانية مع الإتحاد الأوروبي يوم 8 من مارس عام 2024، بشأن مكافحة الهجرة بدأت تطفو على السطح، حيث ظهرت بلادنا، حسب قوله، أمام الرأي العام الإفريقي والدولي كحارسٍ لحدود الاتحاد الأوروبي يُنكِل بإخوتنا الأفارقة لصدهم عن الهجرة».
وأضاف النائب في بيان أصدره أمس الأحد «أن محاولات لعب دور الحارس أظهرت مدى تفشي الفساد والرشوة في مختلف مفاصل الدولة، كما يدل على ذلك تورط بعض وكلائها في تهريب البشر، واستخدام وسائلها لهذا الغرض، بما في ذلك سيارات الإسعاف؛ وأدى التزايد الملحوظ لإخوتنا الأفارقة في مدن البلاد إلى تغذية النزعات الشوفينية وانتشار نظريات المؤامرة في ظل عجز واضح للسلطات، حسب قوله، عن التعامل مع هذا الموضوع بالحد الأدنى من الكفاءة والمسؤولية»، مضيفاً «أن الحكومة تلجأ إلى مغالطة الرأي العام بحجج واهية، منها أننا لم نبرم اتفاقاً بالمعنى القانوني مع الاتحاد الأوروبي، وكأن الحكومة ليست منخرطة، وبشطط ملحوظ، في تنفيذ واجباتها بموجب هذا الاتفاق الملزم».
وقال: «يتذكر الرأي العام كيف وقف وزير خارجيتنا أمام البرلمان يوم 16 نوفمبر 2023 ليقول، مزهواً، إن بلادنا هي خط الدفاع الأول عن الحدود الإسبانية في مواجهة الهجرة والإرهاب»؛ هذا في الوقت الذي تعجز فيه السلطات عن حماية حدودنا حيث قتِّل أبناؤنا على أرضنا في وضح النهار من طرف قوى أجنبية (في إشارة إلى مالي)».
«إن محاولة لعب دور حارس حدود أوروبا، يضيف النائب يحي، تنم عن فهم قاصر لأساسيات الجغرافيا السياسية لبلدنا ولمصالحنا على المدى الطويل، كما تنم عن جهل مركب لحقيقة مشكل الهجرة وتعقيداته؛ فتحدي الهجرة هو مشكلة دولية معقدة تحتاج حلاً دولياً يتجاوز دور وقدرات بلدنا، حلاً يأخذ بعين الاعتبار مبادئ التضامن الإنساني وتشابك المصالح بين القارة الإفريقية وأوروبا».
وزاد: «لا يمكن للمواطن الإفريقي أن يقبل بخطاب «العولمة» وضرورة إلغاء الحدود في وجه حركة رؤوس الأموال والشركات والبضائع، وإبقائها فقط في وجه حركة الأفراد، وكأن قدر الأفارقة هو أن يمولوا اقتصادات الدول الغنية ويعملوا كمستهلكين لصادراتها التي هي أصلاً موادهم الأولية مكررة، كما لا يمكن للمواطن الإفريقي ولا لأي راصد أمين، أن يتفهم أن تقبل موريتانيا لعب دور رفضته كافة دول المنطقة بغض النظر عن تمتعها بحدود مع الدول مصدر الهجرة كليبيا التي تشترك حدوداً مع تشاد والنيجر والسودان، أو عدم تمتعها بتلك الحدود كتونس والمغرب».
وقال: «ولا يمكن للمواطن الإفريقي ولا لأي راصد أمين، أن يتفهم إصرار موريتانيا على إعطاء الإتحاد الأوروبي مخارج لسياسات اعتبرتها المحاكم الأوروبية نفسها خرقاً سافراً للقانون الدولي للاجئين وللقانون الدولي لحقوق الإنسان، فمواجهة تحدي الهجرة تتطلب شراكة تنموية تستفيد منها الدول مصدر الهجرة، وتتطلب وقفاً للحروب التي تعصف بهذه الدول، وتتطلب امتناعاً عن دعم الديكتاتوريات الطاردة لأبنائها».
ودعا النائب المعارض يحي اللود «نظام الرئيس محمد الشيخ الغزواني إلى سحب توقيعه على الإعلان المشترك الموقع مع الاتحاد الأوروبي بتاريخ 8 مارس 2024، والوقف الفوري لعمليات البحث والاعتراض التي تنفذها سلطاتنا بالتعاون مع جهات أوروبية في عرض البحر ضد اللاجئين والتي هي السبب الرئيس في تزايد أعداد المرشحين للهجرة ببلدنا».
كما دعا في بيانه، إلى «ضبط نظام الهجرة والإقامة في بلدنا فعلياً وليس دعائياً، ومعاملة الأفارقة المقيمين أو الذين يتم ترحيلهم وفق أعلى معايير الإنسانية بشكل يحترم كرامتهم، ويليق بعلاقات الأخوة بيننا، وبقيم الضيافة والأصالة التي تميزنا، إلى جانب إعادة تأهيل وتكوين أطقمنا الإدارية والأمنية والعسكرية ذات الصلة وتكريسها لصيانة حدود موريتانيا وأمنها».
وطالب النائب «بإعادة النظر في الأجهزة والمسؤولين الذين تولوا التفاوض على هذا الإعلان المشترك والذي كشفوا عن جهلهم العميق بأبجديات التفاوض الدولي، وتجاهلهم الفاضح لمصالح بلدنا».
وبينما تواجه الحكومة هذه الضغوط، دافع محمد سالم مرزوك عن الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها موريتانيا بشأن إعادة المهاجرين غير النظاميين إلى الحدود، مشددًا التأكيد على أن «هذه القرارات تأتي في إطار حماية الأمن الوطني ومكافحة شبكات التهريب».
وقال في تصريحات لإذاعة دويتشه فيله، «إن موريتانيا، التي كانت تُعتبر لفترة طويلة بلد عبور، أصبحت اليوم وجهة نهائية للعديد من المهاجرين، ما دفع الحكومة إلى اعتماد سياسة صارمة لإدارة تدفق الهجرة غير النظامية».
وأضاف: «كان من مسؤوليتنا التحرك لحماية المهاجرين من الشبكات الإجرامية والمهربين، بعدما لاحظنا المآسي الإنسانية التي تسببت بها هذه الهجرة، فهناك أسر مفجوعة بسبب الكوارث التي تعرض لها المهاجرون في عرض البحر، وكان من الضروري التدخل».
وأكد الوزير «أن السلطات الموريتانية بذلت جهودًا كبيرة لتفكيك شبكات تهريب البشر، حيث تم تحييد أربع مجموعات من المهربين تضم موريتانيين وأجانب، مشيرًا إلى «أن بلاده ستواصل جهودها للحد من وجود المهاجرين غير النظاميين على أراضيها».
وحول إمكانية إتاحة الفرصة للمهاجرين تسوية أوضاعهم، ذكر محمد سالم ولد مرزوق أن موريتانيا سبق أن أطلقت مبادرة بهذا الشأن عام 2022؛ وقال: «قدمت وزارة الداخلية الموريتانية للمقيمين غير النظاميين فرصة لتسوية وضعهم القانوني، ما سمح لـ 130 ألف مهاجر بالحصول على بطاقة إقامة مجانًا»، مضيفاً «أن هذه المبادرة جاءت استجابة لطلب ملحّ من المهاجرين أنفسهم وبدعم من بعثاتهم الدبلوماسية المعتمدة في موريتانيا».
وقال: «كان على المستفيدين تجديد إقاماتهم بصفة منتظمة، وهو ما لم يلتزم به البعض، ما جعل ترحيلهم إلى الحدود أمرًا مبررًا اليوم».
ورداً على الانتقادات الصادرة عن بعض المنظمات الحقوقية غير الحكومية، بما فيها منظمات حقوقية موريتانية، والتي وصفت عمليات الترحيل بأنها قاسية وغير إنسانية، رفض وزير الخارجية هذه الاتهامات بشدة، قائلاً: «نحترم عمل المنظمات الحقوقية، لكن بعض الجهات تروج لمعلومات غير دقيقة، فموريتانيا بلد مضياف، وجميع عمليات الترحيل تمت مع احترام حقوق الإنسان».
وشدد الوزير التأكيد على «أن قوات الأمن الموريتانية العاملة في مجال ضبط الهجرة تلقت تدريبًا خاصًا حول احترام الحقوق الأساسية، بالتعاون مع مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان والمنظمة العالمية للهجرة».
جريدة القدس العربي