منذ اعتماد حرية التعبير كحق أساسي من حقوق الإنسان نصت عليه المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، خضع هذا الحق و مفاهيمه لتطور سياقه وتعسف بيئته، فالحكومات التي تسهر على صيانة أصالة هذا الحق كثيرا ما تجد نفسها ضمن إطار تعسف الحق نفسه.
فإلى جانب السلطات القانونية الثلاث، تقف سلطة الرأي كسلطة رابعة ذات أذرع متشعبة، السلطة التي تجاوزت تقسيمها الكلاسيكي الرسمي من مضمار إخباري أو استقصائي، لتحل، بفعل الرقمنة و التواصل، بين يدي الفرد صاحب الحق الأول.
حيث أصبحت وسائل التواصل الإجتماعي وغرف التواصل إعلاما واقعيا يفرض نفسه، قبل خطوط المؤسسات العريقة أو المعروفة، الواقع الذي جعل الهيئات الإعلامية الرسمية المنبثقة عن السلطات المعهودة ولجان تحقيقاتها تبتدع أنظمة داخلية قابلة لدمج الوافد الجديد والسريع، وفقا لقوانينها السارية.
وقد ظل التداخل بين الإعلام عموما وتكييف الآراء العامة جسرا معروفا، حتى في أكبر ملفات المساءلة عبر التاريخ الحديث ، إلا أن أغلب المساطر في أكثر من بلد حددت أدوات هذه المشاركة الشعبية أو الفوقية في تصويب الرأي العام، وفقا لسلسلة من الإجراءات تعود إلى السلطة القضائية، الجهة المخولة في الأنظمة الديمقراطية بتسيير التدافع و تقنين آلياته.
ومن المعلوم، في العقود الأخيرة، أن مساهمات الإعلام في كشف قضايا الفساد والتحري والاستقصاء باتت أكثر من تجريد الحق في التعبير، إنما بات الحق مقرونا بالبحث عن الحقيقة.
وفي ظل سرعة الآلة الإعلامية الفردية ونجاعتها، يظل التحدي قائما في الأنظمة البيروقراطية لمدى استيعاب السلطات الرقابية للإعلام الجديد، خصوصا في القضايا غير المصنفة أو ما يشغل الرأي العام من ملفات اجتماعية وسياسية.
ليبقى حق التعبير المتطور، الحق المصان بدوافع فردية، محكما بقنوات رتبت سُلَّمه وفقا للنظام العام وسلطاته النافذة، السلطات المخولة -لفصلها عن بعض- برفع السؤال والبتّ فيه.