تحوّل شرق موريتانيا في الأسابيع الأخيرة إلى ملجأ للماليين الفارّين من احتدام المعارك شمال بلادهم، حيث باتت الأكواخ والأزقّة الرملية المنتشرة على بعد كيلومترات من الحدود المالية موطنا لهؤلاء اللاجئين.
ويسلّط تقرير نشرته صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية الضوء على وضع اللاجئين القادمين من مختلف المدن المالية خصوصا من الشمال، والذين يعرفون الحدود الموريتانية جيدا، حيث يجلس محفوظ ولد مسعود في الجزء الخلفي من شاحنة مليئة بالشباب ذوي السترات الصفراء، وهو يتفحص الأدغال.
هذا اللاجئ المالي الذي كان وصل إلى موريتانيا عام 2012 يقول لصحيفة لوفيغارو: "لا يوجد هنا سوى الرعاة، وإذا لم يعد هناك أشجار للرعي، فلن يكون هناك المزيد من الحيوانات"، مضيفا أنه "عندما تحترق الأرض، فإن الاقتصاد هو الذي يحترق". وقد فر الشاب من مالي بعد بدء تمرد الحركة الانفصالية للطوارق وبعض الجماعات المتشددة.
ويعرف هذا اللاجئ المالي الطرق القاحلة حول باسيكونو جيداً، ففي كل عام خلال موسم الحرائق، يكون أحد المتطوعين الذين يقومون بإطفاء حرائق الغابات، وهي طريقة للانخراط في البلد الذي وجد فيه الماليّون ملجأ، وفق ما تقول الصحيفة الفرنسية.
احتدام القتال في مالي خلال الأسابيع الماضية دفع بعشرات الآلاف من الماليين إلى اللجوء مجددا إلى شرق موريتانيا، وحتى الساعة تم إحصاء قرابة المئة ألف لاجئ على بعد بضع عشرات الكيلومترات من الحدود المالية، في مخيم مبيرا.
ومع استمرار الصراع في مالي، يستمر عدد اللاجئين في الإرتفاع، ومنذ أغسطس / آب 2023، سجّلت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ذروة وصول الوافدين إلى منطقة الحوض الشرقي الموريتانية، إذ تم تحديد أكثر من 10,000 لاجئ جديد في المخيم منذ بداية عام 2023.
وتزامن وصول هؤلاء الوافدين الجدد مع تصاعد الأعمال العدائية في شمال مالي بين الجيش المالي (فاما) المدعوم من ميليشيا "فاغنر" الروسية، والجماعات المتمردة الموقعة على اتفاق الجزائر للسلام لعام 2015، الذي تجاوزه الزمن الآن، كما تقول "لوفيغارو".
كما كثّفت الحركات المتشددة التابعة لجماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"التابعة لتنظيم "القاعدة"، هجماتها، ومنذ الصيف الماضي فرضت حصارا حول مدينة تمبكتو، على الرغم من التحسن الطفيف في إمكانية الوصول إليها في الأسابيع الأخيرة.
وكان انسحاب بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما)، الموجودة منذ عام 2013، بمثابة الدافع لمزيد من عدم الاستقرار، بحسب تقرير الصحيفة الفرنسية.
وفي منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي استعادت الحكومة المالية السيطرة على مدينة كيدال الإستراتيجية في شمال شرق البلاد، وهو انتصار رمزي للمجلس العسكري بقيادة عاصمي غويتا، الذي وصل إلى السلطة بعد انقلاب في عام 2021، بينما يتحدث المراقبون عن "حالة من الفوضى" تعمّ البلاد.
ويقول باكاري سامبي، المدير الإقليمي لمعهد تمبكتو في داكار "لم تكن المنطقة موبوءة بالجماعات المتشددة إلى هذا الحد من قبل".
ووفقاً لمنظمات حقوق الإنسان، فإن الجماعات المتشددة والقوات المالية تستهدف أيضاً السكان المدنيين بشكل منتظم.
ويعتبر مراقبون أنّ استهداف المدنيين من الجانبين يدفع كثيرا من السكان إلى اللجوء، ويوضح بكاري سامبي قائلاً: "إنه وضع غامض، وهو ملائم للغاية لتصفية الحسابات" وفق تعبيره.
وبالنسبة إلى محفوظ ولد مسعود، فإن كل تصعيد جديد يقوّض أمل العودة إلى الوطن، ويوضح للصحيفة الفرنسية قائلا: "نحن نُقتل بأي طريقة، أي شخص، في أي مكان، وهذا يسبب لنا الكثير من التعاسة"، مشيرا إلى أنه فقد ابن أخيه في الحرب، وهو يقيم مع أطفاله الستة في مخيم مبيرا ومعظم جيرانهم هم من الوافدين الجدد.
موقع الخليج الآن