تقوم موريتانيا وتشاد بتحركات لإنقاذ تحالف دول الساحل الأفريقي الخماسي من الاضمحلال، بعدما نسف قادة مالي وبوركينا فاسو والنيجر هذا التكتل الإقليمي الموالي لفرنسا بميثاق "ليبتاكو-غورما" الذي كان هدفه عسكريا واقتصاديا.
وانتهز الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني وجوده في الرياض للمشاركة في القمتين "السعودية الأفريقية" و"العربية الإسلامية" لإجراء مباحثات على انفراد مع الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي.
وكشف المكتب الإعلامي للرئاسة في نواكشوط، أن "لقاء الرئيسين جاء في ظل تحديات كبيرة تعرفها منطقة الساحل، ومجموعة الدول الخمس بالساحل التي تجمعهما، وذلك بعد انسحاب مالي منها، وكذلك إعلان الدول الثلاث الأخرى الأعضاء فيها عن تحالف خاص للتحالف للساحل يجمعهم، في إشارة إلى النيجر وبوركينا فاسو".
موريتانيا تخطط لإحياء التعاون الاستخباراتي في الساحل والقرن الأفريقيين
وفهمت نجامينا ونواكشوط من التحالف الثلاثي الجديد المعلن عنه في سبتمبر الماضي، أنه يعني الوفاة السريرية لمجموعة دول الساحل الخمس، التي أسستها فرنسا في 2014، وبالتالي تهميش دورها في المنطقة.
وارتبط تحالف الساحل الثلاثي في البداية بمحاولة توحيد الجهود المشتركة لمواجهة التهديدات المتصاعدة لهجوم محتمل من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) على النيجر، بدعم عسكري فرنسي، قبل إن تتراجع هذه المجموعة عن الخطوة.
وأصبح التحالف يشمل أيضا تنسيق الجهود في الحرب المشتركة ضد الجماعات المسلحة. ويستهدف التحالف أيضا الجماعات المسلحة للطوارق في شمالي مالي والنيجر وبدرجة أقل في بوركينا فاسو، والتي لها نزعات انفصالية، ولا تدعم الانقلابيين في البلدان الثلاثة.
وسميت وثيقة "ليبتاكو-غورما"، نسبة إلى الحدود الثلاثة، وهي منطقة مشتركة بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر، والتي تنتشر بها جماعات مرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش.
موريتانيا تدعو إلى آلية جديدة لمواجهة "الإرهاب" في الساحل
ويعتقد الباحث الموريتاني المختص في الشؤون الأفريقية محفوظ ولد السالك، أن تنسيق نواكشوط ونجامينا، سينصب في الفترة المقبلة على محاولة تعزيز التقارب مع باماكو، ونيامي، وواغادوغو من أجل الحفاظ على بقاء مجموعة دول الساحل الخمس، وإنقاذها من التفكك.
وأضاف ولد السالك لـ "الخليج 365"، أن ذلك سيكون بتكثيف تبادل الزيارات، وربما السعي لمحاولة خوض عمليات مشتركة في المنطقة لمواجهة الجماعات المسلحة، والسعي لإعادة مالي للمجموعة. وحسب الباحث الموريتاني فإن ذلك يعني أنه لن يكون هناك رد مباشر وعلني على الائتلاف الثلاثي المالي البوركينابي النيجري، خوفا أن يسبب ذلك سوء تفاهم أو يعكر صفو علاقات البلدين مع الدول الثلاث.
وشهدت البلدان الثلاثة خمسة انقلابات عسكرية منذ عام 2020، آخرها في النيجر في 26 يوليو/تموز الماضي، ما أدى إلى تشكل مجالس عسكرية لطرد التواجد الفرنسي في المنطقة.
من جانبه، قال المحلل السياسي الموريتاني المتخصص في الشأن الأفريقي سلطان البان، أن نقاطا مشتركة بين موريتانيا وتشاد تتعلق بمستقبل الساحل الأفريقي، ومن أبرزها مصير دول الساحل الخمس، حيث تعتمد موريتانيا وتشاد على التحالف الذي يعد شاملا لمحاربة الإرهاب وتسعى كل منهما إلى تماسكه وعدم السماح لبوركينا فاسو على الانسحاب منه مثلما فعلت مالي، ومن أجل تحقيق ذلك يحتاج البلدان إلى الحرص الشديد على التنسيق وعدم إظهار أي عداء للتحالف الثلاثي.
تقرير برلماني فرنسي يدعو باريس للتحرك العاجل لاستعادة علاقتها مع أفريقيا
وقال البان لـ"الخليج 365"، إن هناك تنسيقا أمنيا بين تشاد وموريتانيا وهما الدولتان الوحيدتان اللتان أبقيتا على التعاون مع الجانب الفرنسي في ظل موجة العداء الواسعة ضد باريس في المنطقة.
وتعود آخر قمة لمجموعة دول الساحل الخمس إلى فبراير الماضي بالعاصمة التشادية نجامينا بحضور 3 زعماء وممثل عن رئيس المجلس الانتقالي في بوركينا فاسو، وسط غياب رئيس المجلس العسكري المالي بعد إعلان انسحاب بلاده من المجموعة.
وحول فرص إعادة بعث التحالف الخماسي قال محفوظ ولد السالك، إن حاضر ومستقبل دول الساحل، رهين بمدى المحافظة على المجموعة من أي انسحاب جديد بعد مالي، فإذا استطاعت موريتانيا وتشاد، تعزيز العلاقات مع النيجر وبوركينا فاسو، فإن المجموعة ستظل باقية، أما إذا حصل أي سوء تفاهم، فإن من شأن ذلك أن يعرض بقاءها للخطر.
ولكن بالمقابل من دواعي بقاء المجموعة على حيز الوجود، شرعية الإنجاز، فالمجموعة تكاد تكون ولدت ميتة، وبنت إستراتيجيتها على الدعم الخارجي، وهو ما لم يفِ به الشركاء الدوليون بشكل كبير، وهذا ما جعل أداءها على الميدان ضعيفا طيلة الفترة الماضية، وفق مراقبين.
المصدر: الخليج الآن