
في مدينة نواذيبو، حيث البحر يفتح ذراعيه للصحراء، وتلتقي التعددية بروح الانتماء، يستعد الشارع الوطني لاستقبال رئيس الجمهورية في محطة تتجاوز بعدها الإداري إلى بُعد رمزي يحمل رسائل كثيرة. فالعاصمة الاقتصادية، بعمقها البحري وإشعاعها السياحي، وموقعها كبوابة بحرية على أوروبا والصحراء الغربية، تُجسّد نموذجًا للتنوع العرقي والثقافي، وتقدّم نفسها كمساحة حيوية للتفاعل الوحدوي وحلّ الإشكالات الإقليمية على ضوء قرارات الأمم المتحدة.
في هذا السياق، يلوح في الأفق حديث عن حوار وطني مرتقب. حوارٌ ليس جديدًا في تقاليد الدولة الموريتانية، فقد سبقه العديد من المحطات المفصلية: *الأيام التشاورية 2006* في المرحلة الانتقالية، التي أسست للتناوب السلمي وأقرت تحديد المأموريات في مواد محصنة؛ *الحوار الوطني الشامل 2011*؛ ثم *التشاور ثم حوار 2016 الوطني واخيرا حوار 2022*. جميعها ساهمت في ضبط الإيقاع السياسي وتكريس منطق الشراكة بدل الإقصاء.
غير أن أي حوار، ليكون جادًا ومثمرًا، لا بد له من أرضية صلبة، تقوم على احترام الثوابت وعدم التلاعب بما هو محسوم. *ثلاث قضايا وطنية* يجب أن تظل خارج التداول:
1. *العبودية:* انتهت واقعيًا وقانونيًا، وصارت جريمة يُعاقب عليها القانون، بعد جهود تشريعية ومؤسسية لمحاربة آثارها ومخلفاتها، ولا مجال لإعادة فتحها.
2. *الإرث الإنساني:* طُوي ملفه بآليات قانونية بوجب عفو عام صادق عليه البرلمان وتعويضات من ثلاثة رؤساء متعاقبين، ولم يعد مجالًا للمزايدة السياسية أو الابتزاز العاطفي.
3. *الهوية الوطنية:* موريتانيا دولة عربية، واللغة العربية لغتها الرسمية الوحيدة، كما نص على ذلك دستور البلاد، مع تثمين باقي المكونات الثقافية كرافد تنوع لا كصراع هويات.
رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، بما عُرف عنه من انفتاح وتقدير للرأي المختلف، وبخلفيته الروحية التي تؤمن بالتسامح ونبذ الإقصاء، يشكل عنوان طمأنينة وطنية. وقد عبّر في أكثر من مناسبة عن حرصه على ترسيخ دولة المواطنة، وتجاوز الاستبداد والانغلاق كمثال على تقديره لأجواء الوفاق السياسي.وتقبل الراي الاخر
إن زيارة نواذيبو في هذا التوقيت ليست مجرد حدث بروتوكولي، بل فرصة وطنية لتعزيز الثقة بين الإدارة والمواطن، بين الرأس والقواعد، في مدينة تمثل حاضرًا اقتصاديًا وميناءً للأمل، وتفتح ذراعيها لأفق إقليمي ودولي ينتظر من موريتانيا أن تظل بوابة توازن واستقرار، لا ساحة تأزيم أو جدل.
*الخاتمة:*
إن نواذيبو اليوم، وهي تستقبل رئيس الجمهورية، تفتح الأبواب لخطاب وطني متجدد، يوازن بين الإصغاء والقرار، وبين الثوابت والانفتاح، وبين التنوع والهوية. وفي ظل هذا المزاج العام، فإن الحوار المنتظر سيظل أداة لتقوية اللحمة، لا مطية لتفكيكها، ما دامت ضوابطه معلومة وحدوده مصونة، ومخرجاته في خدمة الوطن الواحد، لا شهوة الكيانات الضيقة.