أقرت اليونيسكو تخصيص الثامن عشر من كانون أول (دجمبر) من كل سنة لتخليد اليوم العالمي للغة العربية. وهي مناسبة لاستحضار مكانة اللغة العربية في هويتنا الوطنية، الإسلامية والعربية والإفريقية مُرْتَكَزِ قوتنا وثرائنا وفخرنا.
غير أن هذه الهوية تتهددها اليوم منافسة فرنسية طاغية في الميدان العمومي، ترمز للعصرية لدى البعض و للاستلاب لدى آخرين. فاللغة الفرنسية محل خلاف و اختلاف بسبب الصورة السلبية للإستعمار و للاسلاموفوبيا السائدة منذ فترة في فرنسا.
تتولى هذه "الفَرْنَسَةَ" الزاحفة نخب استؤصلوا عن ثقافتهم الأصلية وجهلوا أسسها التاريخية فأضحوا يفكرون في إطار فرانكوفوني، يرون العربية لغة متخلفة، متناسين أنها جزء من الميراث الجمعي لكل فئات شعبنا.
ورغم هذا فإن التخاطب بالفرنسية في تراجع إذ تشير إحصاءات المنظمة الدولية للفرنكوفونية إلى 11% من المتداولين لهذه اللغة في موريتانيا. وهو رقم قد يبدو مبالغا فيه لمن يعرف عموم البلد حيث لا وجود للفرنسية إلا في بعض أحياء بالعاصمة نواكشوط و قليل من الأماكن في كبريات المدن. و حتى لو سلمنا بهذا الرقم فهو يدل على أن تسعين بالمائة من الموريتانيين من كل الفئات يعتبرون أجانب في بلدهم، إذا أرادوا الولوج لبعض الإدارات التي تصدر جميع وثائقها بالفرنسية أو حتى لطلب وجبة في أحد المطاعم، نظرا لأن قائمة الوجبات عادة ما تكون بالفرنسية.
إن تجسيدَ استقلالِنا وحماية ثقافتنا الوطنية يفرضان تقنين مكانة اللغة العربية في المجال العام. والتجربة الجزائرية في هذا المجال يمكن أن تكون مصدر إلهام. ويظل الأمثل أن تُرَسَّمَ اللغات الوطنية كما فعلت ليبيا والمغرب مع الأمازيغية.
فالواجبُ البدءُ بإجبار الإدارات و الشركات الوطنية مثل شركة الكهرباء و شركة المياه و الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي و صندوق التأمين الصحي باستخدام لغةِ أغلبيةِ المواطنين في كل وثائقها و مراسلاتها، ولتضف فرنسيتها بعد ذلك إن هي أصرت، فهذا لعمري حد أدنى من احترام المسؤولين لمواطنيهم. و في القطاع الخاص يجب على الأقل فرض حضور العربية في المطاعم ووصفات الأطباء و على اللوحات وواجهات المحال.
أخيرا إننا نؤيد وجود الفرنسية والإنجليزية كلغات أجنبية، لا بديلا عن العربية. فالأخيرة لغة البلد الرسمية والتشبث بها جزء من الاستقلال وتجسيد لتملك موروثنا الوطني. ويظل من المجدي التذكير أن اللغة العربية ليست خاصة بفئة دون غيرها من فئات الشعب الموريتاني. فهي إحدى اللغات العالمية الأكثر تداولا ، يستخدمها كثير من غير العرب.
*ملاحظة : العنوان من اختيار قسم التحرير في الموقع و ليس المؤلف