“إنا لله وإنا إليه راجعون”
في الجمعة الأولى بعد عيد المولد النبوي لبى داعي ربه، العالم الزاهد الأستاذ محمدي بن المصطفي، رحمة الله عليه، وبه فقدت قرية النباغية واحدًا من أمثل أبنائها البررة.
رحم الله الأستاذ العالم الزاهد محمدي ولد مصطفى، وهو من الجيل الأول من خريجي محظرة النباغية، ولقد استوعب مقرراتها فصار من ألمع أساتذتها، وكان من أقرب المقربين من شيخ المحظرة العلامة اباه ولد عبد الله، الذي أعتاد أن يعهد إليه بمهمات علمية دقيقة في مجال التدريس والتحقيق.
ولقد كنت ممن أفاد من علمه وعطائه، فهو الذي قام بتصحيح كتابي عن شرح نظم أحاديث الموطأ، وكما وضع شرحا موسوعيا لنظمي “إشراقة البدر لمعرفة أهل بدر”.
والأستاذ محمدي قل من يعرفه حق معرفته؛ إذ لا يصفه إلا من خبره، إذ لا أحد يوازيه في الزهد والتواضع والعلم، فهو لم يغادر قرية النباغية، وليس له جواز سفر، ولم يشارك في أي مسابقة لنيل وظيفة، فالمال لا يساوي عنده مثقال درة، ومع أنه فقير منه ولكنه غني بالزهد والقناعة، فهو لا يستحوج أحدًا شيئا أبدًا، وأقرباؤه الذين يعرفونه يلاحظون ازدراءه بالهدايا التي تقدم له.
عندما تلقاه أمامك فإنك تتساءل كيف يبقى أحد على قيد الحياة، وجسمه قد التصقت جلدته بعظامه، لكن حيث ما يتحدث أو يكتب، تتفاجأ بأسد هصور، امتلك ناصية العلوم والآداب، وأنشأ روائع قصائده الخالدة، ولما تتعرف عليه وعلى أسرته فإنك ترى العجب العجاب.
ولا غرابة فيما يتحلى فيه من الأخلاق وما يفيض به من علم، لقد كانت والدته عيش بنت الداه ممن يحفظ القصيدة كاملة من حكاية واحدة، وكانت أمها متُّ بنت محمدي من بحار العلوم، وكان جده محمد ابن العلامة الكبير الداه ولد أحمد فال من عباقرة العلم والأدب، هكذا تجمّع في محمدي فضائل أمهاته وآبائه، فصار من ألمع بحور محظرة النباغية الأفذاذ، واليوم عاد الكنز للأرض؛ وبقيت الآثار والمآثر.
وإن جامعة شنقيط وفاء لما كان يوليه لها من اعتبار، فإنها تقرر نشر ديوانه، وتطلب من أخيه الدكتور محمد بن مصطفى أن يعد هذا الديوان للطبع، مع تراجم لعائلته العلمية الشهيرة”.