سيد أحمد ولد خو يكتب : ماذا لو هبت الدبلوماسية البيئية إلى إنقاذ نواكشوط من الفيضانات ! | موريويب

سيد أحمد ولد خو يكتب : ماذا لو هبت الدبلوماسية البيئية إلى إنقاذ نواكشوط من الفيضانات !

سبت, 10/01/2022 - 09:58

لقد كشفت الأمطار الغزيرة التي تهاطلت مؤخرا على نواكشوط عن هشاشة البنى التحتية وشبكات الصرف الصحي كما أظهرت خطورة عواقب التغيرات المناخية وانعكاساتها على حياتنا الاقتصادية والاجتماعية إذ تقدر التكلفة السنوية للأمراض المنقولة عن طريق المياه بنسبة 0.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي وحوالي 12.2٪ من ميزانية الصحة.

ولكن رب ضارة نافعة!

إنه يستحب أن نستخلص الدروس من الظروف الصعبة التي مرت بها عاصمتنا في هذه الأيام حتى نتسلح بتصميم وعزم وحزم لنتجنب تكرار ما حدث!

فالصرف الصحي في نواكشوط ما زال في بداياته وهو مشروع عملاق يتجاوز إمكانيات الدولة وحتى إمكانيات الاقتصاد الوطني.

ولذا تعين علينا اللجوء إلى الحصول على تمويلات المجتمع الدولي المخصصة للتكيف مع التغير المناخي.

اللجوء إلى التمويل المناخي

ليس اللجوء إلى التمويل المناخي استجداء للصدقة وإنما هو بكل بساطة تكريس لمبدإ مسؤولية الملوث وتجسيده على المستوى الدولي. فلقد نصت المادة 9 من اتفاق باريس على مبدإ "المسؤولية المشتركة والمتباينة" وأظهرت تقارير الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ بما فيه الكفاية أن الفيضانات الغزيرة في نواكشوط أو دوالا أو ديربان ليست سوى نتيجة للتغير المناخي؛ تماما مثل ذوبان الجليد في أيسلندا.

ولذا دقت الأمم المتحدة ناقوس الخطر في العقود الأخيرة محذرة من نتائج التغير المناخي؛ وكان ذلك بمناسبة العديد من الملتقيات ومؤتمرات القمة: استكهولم في عام 1972 مع إنشاء برنامج الأمم المتحدة للبيئة، نيروبي (1982)، ريو دي جانيرو (1992) مع اعتماد "إعلان ريو"، "جدول أعمال القرن 21"، والاتفاقيات الدولية بشأن تغير المناخ، وتلك المتعلقة بالتنوع البيولوجي، ريو +5 في عام 1997 (إعلان بشأن جدول أعمال القرن 21)، جوهانسبرغ (مؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة في عام 2002)...

وفي عام 2015، تم التوصل إلى الاتفاق التاريخي الذي أبرم في مؤتمر باريس لتغير المناخ (COP21) وأصبح هذا الاتفاق ملزما للأطراف المتعاقدة من تاريخ دخوله حيز التنفيذ في 4 نوفمبر 2016. وتستمر عملية تحيين هذا الاتفاق خلال مؤتمرات القمة السنوية للأطراف؛ وكان آخرها COP26 الذي انبثق عنه ميثاق غلاسكو للمناخ. ومن القرارات الرئيسية لهذا المؤتمر التزام البلدان المتقدمة بمضاعفة تمويل التكيف مقارنة مع مستويات عام 2019 وذلك بحلول عام 2025.

وفيما يتعلق بالمياه، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في أعقاب مؤتمر مار دل بلاتا الحكومي الدولي (1977)، قرارا تاريخياً (في عام 2010) يعترف "بالحق في مياه الشرب المأمونة والنظيفة وخدمات الصرف الصحي كحق من حقوق الإنسان الأساسية للتمتع الكامل بالحياة وكافة حقوق الإنسان" (قرار الجمعية العامة 64/292). وأما الهدف السادس للتنمية المستدامة (SDG6) فهو حصول الجميع وبشكل منصف على مياه الشرب المأمونة والنظافة الصحية والصرف الصحي بحلول عام 2030، وخاصة للسكان الضعفاء.

وبالجملة ودون الخوض في التفاصيل، دعنا نقول إنه لم تبلغ الأموال المخصصة لتمويل التكيف مع تغير المناخ المستوى الذي بلغت اليوم؛ وتبقى العبرة في طرق الباب المناسب، في الوقت المناسب مع إعداد وتقديم الملف الأمثل لأنه بقدر ما كثر التمويل بقدر ما كانت المنافسة للحصول عليه شرسة. وهكذا تمكنت الدبلوماسية البيئية في جنوب أفريقيا من تأمين الحصول على حوالي 5.5 مليار دولار من التمويل؛ وهو رقم قياسي بالنسبة لأفريقيا!

فهناك الكثير من مصادر التمويل المتعدد الأطراف. إنه عالم معقد وليس من السهل دائما الاهتداء في مسالكه ويبقى من أهم آليات تمويل المناخ تلك التابعة لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (صندوق المناخ الأخضر، وصندوق الأمم المتحدة للتكيف، وصندوق أقل البلدان نموا، والصندوق الخاص لتغير المناخ، وصندوق البيئة العالمي). ولكن هناك أيضا صناديق الاستثمار النظيف (صندوق التكنولوجيا النظيفة، والبرنامج التجريبي للقدرة على الصمود في وجه تغير المناخ) ومصادر التمويل المتنوعة الأخرى (الصندوق الاستئماني للتحالف من اجل المناخ والهواء النظيف، مركز وشبكة تكنولوجيا المناخ، مبادرة نظام الإنذار المبكر بالكوارث المناخية، مبادرة بناء القدرات من أجل الشفافية، مرفق تمويل الأصول الكربونية التحويلية).

كما أن التمويل الثنائي يكتسب أهمية متزايدة. وأبرزه: تعاون الاتحاد الأوروبي (التحالف العالمي لتغير المناخ؛ أداة التعاون الرئيسية للاتحاد الأوروبي بشأن تغير المناخ، والمرفق العالمي للحد من مخاطر الكوارث والتعافي منها؛ على سبيل المثال، منح 13 مليار فرنك أفريقي من خلال الصندوق الأوروبي للتنمية الحادي عشر وذلك لجمع مياه الأمطار وتسييرها)، وصندوق تنمية بلدان الشمال الأوروبي الذي يدير المنح المقدمة من بلدان الشمال الأوروبي (الدنمارك وفنلندا وأيسلندا والنرويج والسويد) لمكافحة الاحترار العالمي؛ والشؤون العالمية الكندية، والبيئة وكندا تغير المناخ (التزام كندا بتمويل المناخ لمدة خمس سنوات بقيمة 5.3 مليار دولار)، والوكالة اليابانية للتعاون الدولي (جايكا) مع 40 مشروعا في 18 بلدا أفريقيا أو حوالي ملياري ين، الوكالة الفرنسية للتنمية (مع برنامج Adapt'Action، "تسهيل 2050"، فكان للسنغال على سبيل المثال 20 مليار فرنك أفريقي لمشروعين لمكافحة تآكل السواحل والفيضانات في السنغال، وقامت الوكالة بتمويل أكثر من 35.5 مليون يورو لبرنامج كوتونو للصرف الصحي لمياه الأمطار، وشاركت في بناء قناة لتصريف مياه الأمطار في واغادوغو بطول 5 كم، إلخ)، وتعاون المنظمة الدولية للفرانكفونية، والتعاون الألماني، وتحالف الساحل (ألمانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي)،ومركز التعاون البيئي الصيني الأفريقي...

أما الاتحاد الأفريقي فيتدخل من خلال لجنة المناخ لمنطقة الساحل وخطة الاستثمار المناخي لمنطقة الساحل. كما اعتمدت إستراتيجية الاتحاد الأفريقي وخطة عمله بشأن تغير المناخ والتنمية المرنة (2022-2032). وقد أدى إنشاء لجنة رؤساء الدول والحكومات الأفريقية المعنية بتغير المناخ بدعم من المؤتمر الوزاري الأفريقي المعني بالبيئة إلى تعزيز موقف أفريقيا التفاوضي في المحافل الدولية بدرجة كبيرة. وهكذا، اعتمدت عدة مبادرات أفريقية: المبادرة الأفريقية للطاقة المتجددة، والمبادرة الأفريقية لتكيف الزراعة الأفريقية؛ ومبادرة السور الأخضر). وبالإضافة إلى ذلك، يتعاون الاتحاد الأفريقي مع اللجنة الاقتصادية لأفريقيا لتنفيذ برنامج عمل إطار سنداي للحد من أخطار الكوارث (2015-2030) في أفريقيا.

كيف يستخدم جيراننا الدبلوماسية البيئية؟

لنأخذ مثال السنغال الذي حصل على تمويلات ضخمة للمناخ، لاسيما من أجل الصرف الصحي. وذلك بفضل دبلوماسية ديناميكية تتواجد عندما تقتضي الضرورة في الزمان والمكان المناسبين. ولقد مثلت السنغال دائرتنا الانتخابية (بوركينا فاسو والرأس الأخضر وتشاد وغينيا بيساو ومالي وموريتانيا والنيجر والسنغال وغامبيا) في الصندوق العالمي للبيئة منذ نوفمبر 2019.

واستضاف السنغال في مارس 2022، المنتدى العالمي التاسع للمياه، والذي نظمه بتشارك مع المجلس العالمي للمياه (حوالي 800 منظمة من 180 دولة و15000 مشارك مباشر).

كما أن السنغال تولى رئاسة المؤتمر الوزاري الأفريقي المعني بالبيئة ويقف اليوم على جميع الجبهات لقيادة المفاوضات نيابة عن أفريقيا حول النقاط الستة التي بقيت عالقة بعد مؤتمر الأطراف الأخير.

ويبلغ حجم المساهمات البيئية المحددة وطنيا في السنغال - والتي تمت المصادقة عليها في نهاية عام 2020-حوالي 13 مليار دولار وتسعى الدبلوماسية البيئية السنغالية للحصول على تمويل من خلال جميع الآليات بما في ذلك سوق الكربون. وفي هذا الصدد، تم بالفعل التوقيع على اتفاقيات ثنائية مع بلدان مثل اليابان وسويسرا. وهكذا حدث عن القوم ولا حرجففي بداية عام 2021، كان لدى السنغال عشرات المشاريع التي وافق عليها الصندوق الأخضر للمناخ، بمبلغ إجمالي قدره 150 مليون دولار وهلم جرا.

وتندرج هذه الدبلوماسية المناخية في إطار رؤية شاملة تعكس تموقعا دبلوماسيا واضحا كما يتجلى في افتتاحية الإستراتيجية المشتركة بين الاتحاد الأوروبي والسنغال (2018-2023): "السنغال حليف استراتيجي ومتميز للاتحاد الأوروبي ولدوله الأعضاء التي هي الجهات المانحة الرئيسية، والتي لديها علاقة قوية وطويلة الأمد مع السنغال".

أما فيما يتعلق بالصرف الصحي، فإن للسنغال أداء جيدا إلى حد ما على الرغم من الفيضانات المتكررة التي يواجهها وذلك بفضل دور المكتب الوطني للصرف الصحي، الذي يعمل تحت الإشراف المزدوج لوزير المياه والصرف الصحي ووزير المالية، وقد حقق هذا المكتب نتائج ملموسة ومؤشرات أداء مشرفة: معدل جيد للوصول إلى مرافق الصرف الصحي (73 في المائة في المدينة)، و25 محطة ضخ في داكار، و9 محطات لمعالجة الحمأة في تفويض إلى القطاع الخاص، وتقنية متطورة للصرف الصحي (المعالج الشامل والهاضم الكلي)، ومعدل تنفيذ جيد للميزانية المخصصة لمياه الأمطار مع حوالي عشرين حوضا للاحتفاظ وأربعين محطة ضخ، و11 تمويلا مكتملا لخطط رئيسية للصرف الصحي من بين 42 خطة رئيسية للصرف الصحي تم تحضيرها، وتجديد 300 كم من شبكة داكار للصرف الصحي ، وتنفيذ برنامج مكافحة الفيضانات لمدة عشر سنوات (2012-2022).

وخير شاهد على دور المكتب الوطني للصرف الصحي في السنغال شعاره المستحق: "مؤسسة عمومية حديثة وفعالة، وقاطرة من أجل حصول الجميع على خدمات الصرف الصحي بحلول عام 2030"!

ماذا عن الجانب المؤسساتي؟

لقد راجعت عدة بلدان تنظيم دبلوماسيتها لكون ملف القضايا البيئية الكثيرة والمعقدة أصبحت في الصدارة مما تطلب أخذ الوضع الجديد في الاعتبار.

ففي الجزائر،خصصت وزارة الشؤون الخارجية مديرية كاملة للبيئة. وهي مديرية البيئة والتنمية المستدامة مع مديريتين فرعيتين.

وفي عام 2018،أنشأت تونس في وزارة الشؤون الخارجية، قسما للبيئة وتغير المناخ مسؤولا عن: "التعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، والصندوق العالمي للبيئة وغيرها من مؤسسات الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية المسؤولة عن البيئة وتغير المناخ".

وبالإضافة إلى مديرية الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، توجد في المغرب مديرية للتعاون المتعدد الأطراف والشؤون الاقتصادية الدولية ومصلحة للتنمية المستدامة والبيئة داخل مديرية الشؤون العالمية.

أما دولة مثل فرنسا فقد أخذت في الاعتبار أهمية القضايا البيئية وترجمت ذلك عمليا في دبلوماسيتها. وهكذا، ابتداء من آذار/مارس 2009، أنشئت في وزارة الخارجية، مديرية عامة للعولمة تضم ثلاث مديريات فرعية، بما في ذلك مديرية فرعية للطاقة والمناخ، تعمل بالتنسيق مع جميع القطاعات المعنية. وبالإضافة إلى ذلك، تم تعزيز هذه المديرية، بالاتفاق مع القطب الدولي التابع للوزارة المسؤولة عن البيئة، بتعيين شبكة من 96 مراسلا بيئيا داخل البعثات الدبلوماسية.

ماذا يمكن أن نقوم به؟

يجب أن تكون كارثة فيضانات نواكشوط فرصة لمراجعة كل ما لم يقم به بنجاح وبشكل جيد خلال الأزمة والنظر فيما يمكن تحسينه: اللوجستيات، والعمل الإنساني، وخطط الطوارئ، والإعلام، وتعبئة الإغاثة، والكفاءة، والتنبؤات، والخطة الوطنية للطوارئ المتعددة المخاطر، وخطة العمل الوطنية للتكيف، والنصوص المتعلقة بالمياه والصرف الصحي، ... وذلك حسب رأينا المتواضع.ويبقى ما هو مؤكد أن الحدث مفصلي ويحب أن يحسب لما بعده وتعد العدة جيدا ففصل الشتاء القادم يتم الاستعداد له اليوم!

ويجب بالضرورة إعادة النظر في دور وزارة البيئة كمسؤول عن التنسيق مع بعض المؤسسات الدولية المختصة بالبيئة وذلك برسالة تكليف تحدد الأهداف ومؤشرات الأداء. كما تحتاج هذه المهمة إلى ذراع دبلوماسي قادر على التفاوض واغتنام الفرص وفقا لقواعد الفن. وهنا يجب أن ننبه إلى ضرورة اغتنام فرصة انعقاد المؤتمرات القادمة في بلاد افريقية وعربية (COP27 في مصر وCOP28 في الإمارات) لنستغل ذلك في سبيل المضي قدما من أجل تحقيق سياساتنا البيئية. فهذه فرصة لا ينبغي تفويتها غير أن الأمر يتطلب تحديث الإستراتيجية الشاملة!

وباختصار شديد،فإن ما تمكنت السنغال من القيام به، يمكن لموريتانيا أن تنجح فيه طبعا فالأمر كله مرهون بقوة الإرادة والتصميم!

----------------------------------------------------

* موظف سابق في الأمم المتحدة