تجربة التضخم المحفوفة بالمخاطر في تركيا .... شبنم كاليملي أوزكان | موريويب

تجربة التضخم المحفوفة بالمخاطر في تركيا .... شبنم كاليملي أوزكان

خميس, 01/13/2022 - 23:23

واشنطن، العاصمة ــ تستند السياسة النقدية في أغلب الاقتصادات اليوم إلى هدف تضخم واضح، لأن استهداف استقرار الأسعار خدم البلدان المتقدمة والأسواق الناشئة على خير ما يرام. قبل ارتباكات سلاسل التوريد المرتبطة بالجائحة وقبل أن تبدأ أسواق العمل في تغذية نمو الأسعار السريع، كان التضخم أقل كثيرا من المستوى المستهدف في الاقتصادات الكبرى، وإن عاجلا أو آجلا سيعود التساؤل حول ما ينبغي القيام به في مثل هذه المواقف.

قَـدَّمَ رجل الاقتصاد الأميركي إيرفينج فيشر في القرن العشرين إجابة على هذا التساؤل. الواقع أن المعتقد الاقتصادي التقليدي يُـمـلي على القائمين على البنوك المركزية زيادة أسعار الفائدة الاسمية عندما يتجاوز التضخم الهدف الذي حدده صناع السياسات. ذلك أن رفع أسعار الفائدة من شأنه أن يقلل الاقتراض والإنفاق، ويعمل هذا بدوره على تهدئة الاقتصاد وكبح جماح التضخم.

مع ذلك، زعم فيشر أن البنوك المركزية يجب أن ترفع أهدافها لأسعار الفائدة الاسمية. وأَكَّـد على وجود علاقة ارتباط إيجابية بين أسعار الفائدة الاسمية والتضخم. وبوسعنا أن نرى هذه العلاقة، المعروفة بمسمى "تأثير فيشر"، في البيانات الاقتصادية. يفسر علماء الاقتصاد الكلي المعاصرون هذه العلاقة السببية على أنها الانتقال من التضخم إلى أسعار الفائدة الاسمية.

كانت تركيا الدولة الأولى التي وضعت نظرية فيشر موضع الاختبار ــ ولكن مع تطور حاسم. يعتقد المسؤولون الأتراك أن أسعار الفائدة المرتفعة تسبب التضخم، ولهذا يزعمون أن هناك علاقة سببية في الاتجاه الآخر. تقول السلطات التركية إن خفض أسعار الفائدة يجب أن يحد من التضخم. ففي نهاية المطاف، كما زعم فيشر، يشكل سعر الفائدة الاسمي مجموع سعر الفائدة الحقيقي والتضخم المستقبلي. وإذا كان سعر الفائدة الحقيقي ثابتا، فإن التأثير الطويل الأمد الوحيد المترتب على خفض سعر الفائدة الاسمي سيكون انخفاض التضخم لأن أي تأثير على سعر الفائدة الحقيقي نتيجة لخفض سعر الفائدة الاسمي سيختفي في الأمد البعيد.

ولكن في الأمد القريب، يغيب هذا الحياد النقدي، وعل هذا فإن أي انخفاض في سعر الفائدة الاسمي يؤدي أيضا إلى انخفاض سعر الفائدة الحقيقي. وهذا يضر بالمدخرين المحليين والأجانب، وهي مشكلة كبيرة في بلد مثل تركيا، والتي تعاني من عجز مستمر في الحساب الجاري لتمويل نموها الاقتصادي.

مع انخفاض سعر الفائدة الحقيقي إلى مستوى سلبي حاليا، ستتسبب تجربة فيشر الجديدة في زيادة مشكلة التضخم في تركيا سوءا على سوء. فالدولة التي تحتاج إلى المدخرات المحلية والأجنبية لتمويل النمو السريع لا يمكنها أن تقدم لهؤلاء المدخرين عوائد سلبية.

لتشجيع الادخار المحلي على نحو مستمر، أعلنت الحكومة مؤخرا عن سياسة جديدة: إذا تجاوز انخفاض الليرة مقابل العملات الرئيسية أسعار الفائدة عل الودائع القصيرة الأجل، تدفع الحكومة لحاملي الودائع بالليرة الفرق. على سبيل المثال، إذا دفعت البنوك 15% عل الودائع بالليرة لمدة 12 شهرا، وانخفضت قيمة الليرة بنسبة 20% خلال هذه الفترة، فإن الخزانة تعوض المودعين بالكامل.

في حين قد تحمي هذه السياسة المدخرين المحليين وتمنعهم من التخلي عن الليرة، فإنها لا تفعل شيئا لتشجيع المدخرين الأجانب. وسوف يؤدي تدفق رأس المال الأجنبي إلى الخارج نتيجة لهذا إلى تسريع انخفاض قيمة الليرة وتغذية المزيد من التضخم. ولأن هذه السياسة تضع مخاطر الـعُـملة بالكامل على عاتق الحكومة، فإنها بذلك ستضعف الموارد المالية العامة وقد تؤدي في النهاية إلى تسييل الديون.

ما الذي قد يجعل الحكومة تلجأ إلى بديل أكثر تكلفة بدلا من إحكام السياسة النقدية؟ الإجابة صريحة ومباشرة: يعتمد نموذج النمو القصير الأمد في تركيا على الائتمان، الأمر الذي يستلزم أن يكون المقترضون المحليون قادرين على الاقتراض بأسعار فائدة منخفضة.

لكن الدور الذي تلعبه تدفقات رأس المال الأجنبي في أسعار الإقراض المحلية هذه يكشف عن عيب فادح في هذا النموذج. فإذا احتاج أي بلد إلى تمويل خارجي وكان يمول نموه بمدخرات أجنبية، فإن تدفقات رأس المال تصبح عاملا محددا أكثر أهمية لأسعار الإقراض المحلي القصير الأجل مقارنة بسعر الفائدة الذي تحدده السياسة النقدية ــ وهي ظاهرة معروفة بمسمى "الانقطاع القصير الأمد". هذا لأن البنوك المحلية تعتمد على الأسواق المالية الدولية لتمويل أنفسها.

من منظور الأجانب الذي يقرضون هذه البنوك، لا ينبغي أن يكون هناك أي فارق بين أسعار الفائدة على الودائع بالليرة وأسعار الفائدة على الودائع بالدولار بمجرد تعديلها تبعا لانخفاض القيمة المتوقع. ولا يصدق هذا في الحالة التركية.

إذا قدمت مؤسسات أجنبية قروضا بالليرة، فإنها تتقاضى علاوة مخاطر، والتي ازدادت الآن بسبب الانخفاض الهائل في سعر الصرف. وإذا أقرضت بالدولار فإنها تتقاضى علاوة على مخاطر التخلف عن السداد، والتي ازدادت أيضا. وتُـعَـد فوارق أسعار مقايضة التخلف عن سداد الائتمان التركية التي سجلت ارتفاعا غير مسبوقا مؤخرا مثالا جيدا على هذا. ومع تخلي المستثمرين عن الأسواق التركية ــ أو تقاضيهم علاوات مخاطر أعلى ــ فسوف يتفاقم انخفاض قيمة الـعُـملة والتضخم.

للدفاع عن الليرة وإنعاش تدفقات رأس المال، يجب أن يتم استهداف التضخم على الوجه الصحيح. فإذا تجاوز التضخم الهدف الرسمي، لابد من زيادة أسعار الفائدة الرسمية لتهدئة الاقتصاد وتثبيت استقرار الأسعار. لا يستطيع اقتصاد صغير مفتوح يمول نموه بالمدخرات الأجنبية أن يكافح التضخم ويمنع انخفاض قيمة العملة في غياب سياسة نقدية يمكنه التعويل عليها. ومن الواضح أن نهج فيشر الجديد لا يصلح كبديل.

ترجمة: إبراهيم محمد علي            Translated by: Ibrahim M. Ali

شبنم كاليملي أوزكان كبيرة مستشاري السياسات السابقة لدى صندوق النقد الدولي، وأستاذة الاقتصاد في جامعة ماريلاند، كوليدج بارك.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2022.
www.project-syndicate.org